كلمة العدد

 

عُدَّةُ المؤمن وعُمْدَةُ إيمانه في كل زمان ومكان هو الصبر

مع الركض المطلوب على ساحة الحياة

 

 

 

 

        إذا كان الصبر عدة المؤمن في كل زمان ومكان لقوله عليه الصلاة والسلام  - لعمرو بن عبسة رضي الله عنه عندما سَأَلَه قائلاً: ما الإيمان؟: «الصبر والسماحة»(1) ولقوله – صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : «وما أُعْطِيَ أحدٌ من عطاء خير وأوسع من الصبر»(2) فإنه عمدة إيمانه كذلك؛ لأنّ المؤمن حقًّا هو الذي يصبر على الابتلاءات في الدين والدنيا. قال تعالى: «يَـٰأَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا» (آل عمران/200)؛ ولأن الله تعالى أخبر مُؤَكِّدًا أنه مع الصابرين: «إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّـٰبِرِينَ» (البقرة/ 153؛ الأنفال/46) مما دلّ - دلالةً قاطعة على أن الصابرين أَشَدّ إيمانًا وأقوى يقينًا بالله؛ ولذلك أكرمهم الله بمعيّته. ومن يكن الله معه لن ينخذل ولن يخيب ولن يشقى في أي من مواقف الحياة التي تتصل بالدين أو الدنيا؛ فقد أكّد النبي – صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وهما في غار ثور وكفار مكة يتحسسون آثارُ أقدامهما إلى الغار، متذرعًا بهذه المعيّة الإلهيّة أنه لاحاجة له إلى الحزن والمخافة مادام الله معهما. وذلك قوله تعالى: «إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَتَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا» (التوبة/40).

     وقد قال عليّ رضي الله عنه : «ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد؛ فإذا انقطع الرأس بان الجسد». ثم رفع صوته فقال: «ألا لا إيمانَ لمن لا صبرَ له»(3).

     بل الصبر له فضائل لا يعلمها إلاّ الله تعالى، فهو يُورِث الإمامة في الدين، فقال تعالى: «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا»(الأنبياء/73) ويجعل الصابرين يستحقون عقبى الدار: «وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلٰوةَ وأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرءُوْنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَة أُوْلٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ الدَّارِ جَنَّـٰتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِن اٰبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَـٰتِهِمْ وَالْـمَلٰئِكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ الدَّارِ» (الرعد/22-24)

     ويضمن لهم الصابرين الله النصرَ والمددَ، فقال عزّ وجلّ: «بَلَىٰ لا إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ اٰلَـٰفٍ مِّنَ الْـمَلَـٰئِكَةِ مُسَوِّمِينَ» (آل عمران/125).

     والصبرُ هو الذي يُعِين صاحبَه على ضبط النفس لتحمّل المتاعب والمصاعب والآلام الجسديّة والنفسيّة، وهو يُثْمِر محبّةَ الله ومحبّة الناس، ويُنْجِي من النار ويُكْرِم بالجنة، ولصاحبه الأمنُ من الفزع الأكبر يوم القيامة، وله صلاة الله ورحمته وبركاته، والصبرُ مظهرٌ من مَظَاهِرِ الرجولة الحقّة وعلامة على حسن الخاتمة؛ ودليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام، وسبب مباشر للتمكين في الأرض، وهو عون لصاحبه على ضبط النفس عن السَّأَمِ والمَلَلِ، لدى القيام بأعمال تتطلب الدأبَ والمثابرةَ خلالَ مدة مناسبة قد يراها المستعجل مدةً طويلةً، كما هو عون له على ضبط نفسه عن الاندفاع وراءَ أهوائها وشهواتها.

     قال ابن تيمية رحمه الله تعالى (أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر النميري الحراني الدمشقي الحنبلي، أبو العبّاس، تقي الدين ابن تيمية الإمام، شيخ الإسلام (661-728هـ = 1263-1328م): قد ذكر الله الصبرَ في كتابه في أكثر من تسعين موضعًا. وقد قَرَنَه بالصلاة في قوله تعالى: «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَـٰوة ط وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَىٰ الْخَـٰشِعِينَ» (البقرة/45)، وجعل الإمامةَ في الدين موروثةً عن الصبر واليقين بقوله: «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَّهْدُوْنَ بِأَمْرِنَا لَـمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِاٰيَـٰتِنَا يُوقِنُونَ» (السجدة/24)؛ فإن الدين كله علم بالحق وعمل به، والعملُ به لا بدّ فيه من الصبر؛ وطلب علمه يحتاج إلى الصبر، كما قال معاذ بن جبل رضي الله عنه : عليكم بالعلم؛ فإن طلبه لله عبادة، ومعرفته خشية، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، ومذاكرته تسبيح، به يُعْرَفُ اللهُ ويُعْبَدُ، وبه يُمَجَّدُ اللهُ ويُوَحَّد، يرفع الله بالعلم أقوامًا ويجعلهم قادة للناس وأئمة يهتدون بهم وينتمون إلى رأيهم.

     فجعل البحثَ عن العلم من الجهاد، ولابدّ في الجهاد من الصبر؛ ولهذا قال تعالى: «وَالْعَصْرِلا إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍلا إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّلا  وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ» (العصر/1-3).

     فالعلمُ النافع هو أصل الهدى، والعمل بالحق هو الرشاد، وضد الأوّل الضلال، وضد الثاني الغيّ. فالضلالُ العملُ بغير علم، والغيُّ اتّباعُ الهوى. قال تعالى: «مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ» (النجم/1-2)؛ فلا يُنَالُ الهدى إِلاّ بالعلم، ولا يُنَال الرشادُ إلاّ بالصبر؛ ولهذا قال علي رضي الله عنه : «ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا انقطع الرأسُ بان الجسدُ، ثم رفع صوته، فقال: ألا لا إيمانَ لمن لا صبر له»(4).

     وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: «وجدنا خيرَ عيشنا الصبر»(5) وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: «الصبرُ مطيةٌ لا تكبو»(6) وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله»(7) وقال أبو علي الدقاق: «فاز الصابرون بعز الدارين؛ لأنهم نالوا من الله معيته؛ فإن الله مع الصابرين»(8) وقيل: الصبرُ لله غَنَاء، وبالله تعالى بقاء، وفي الله بلاء، ومع الله وفاء، وعن الله جفاء. والصبرُ على الطلب عنوان الظفر، وفي المحن عنوان الفرج(9).

     وقد قال العلماء: إن الصبر لغةً هو الحبس والكفّ، قال الله تعالى: «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدَوٰةِ وَالْعَشِيِّ» (الكهف/28). أي اِحْبِسْ نفسَك معهم.

     وأما اصطلاحًا فهو حبس النفس على فعل شيء أو تركه ابتغاءَ وجه الله، قال تعالى: «وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَآءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ» (الرعد/22).

     قال الراغب الأصفهاني (الحسين بن محمد بن المُفَضَّل أبو القاسم الأصفهاني المعروف بالراغب المتوفى 502/1108م) رحمه الله: الصبر هو حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع أو عما يقتضيان حبسَها عنه؛ فالصبر لفظ عامّ وربما خُولِفَ بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه؛ فإن كان حبس النفس لمصيبة سُمِّي صبرًا لا غيرُ، ويضادّه الجزعُ؛ وإن كان في محاربة سُمِّيَ شجاعة، ويضادّه الجبنُ؛ وإن كان في نائبة مُضْجِرَة سُمِّيَ رحبَ الصدر، ويضادّه الضجرُ؛ وإن كان في إمساك الكلام سُمِّيَ كتمانًا، ويضادّه المذلُ. وقد سمّى اللهُ كلَّ ذلك صبرًا(10).

     وقال الجاحظ (عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء، الليثي أبو عثمان 163-255هـ = 780-869م): الصبرُ عن الشدائد خلق مركب من الوقار والشجاعة(11) وقال المُنَاوِيُّ (محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري، زين الدين 952-1031هـ = 1545-1622م): الصبرُ قوةُ مقاومة الأهوال والآلام الحِسِّيَّة والعقليّة(12).

     وقال ابن القيم (محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزُّرْعِي الدمشقي ابو عبد الله شمس الدين 691-751هـ = 1292-1350م) رحمه الله: الصبر باعتبار متعلقه ثلاثةُ أقسام: صبر الأوامر والطاعات حتى يُؤَدِّيهَا، وصبرٌ عن المناهي والمخالفات حتى لا يقع فيها، وصبر على الأقدار والأقضية حتى لا يَتَسَخَّطَها(13).

     وما ذكرنا من معاني الصبر الاصطلاحي أَكَّدَ بما لايدع مجالاً للشكّ أن الصبر في الإسلام لا معنى له إلاّ إذا اقترن بابتغاء وجه الله تعالى؛ لأن الصبر في الإسلام ينحصر ويختصر في الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر على أقدار الله.

     فمجردُ الصبر على شيء أو عن شيء لا يُسَمَّىٰ صبرًا في الإسلام إذا كان مجردًا عن ابتغاء رضا الله عز وجل، والدليل على ذلك أن كثيرًا من الناس يسهل عليهم الصبر حتى على المصائب والبلايا؛ ولكن قليلاً منهم من يصبر على طاعة الله عزّ وجلّ؛ بل من الناس من يصبر على المعاصي ويتحمل من أجلها ما لايحتمل عشر معشاره على طاعة الله عز وجلّ. ويتجلّى هذا المعنى للصبر في وصيّة لقمان لابنه، كما حكى ذلك القرآنُ الكريم:

     «يٰبُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَوٰةَ وَأْمُرْ بِالْـمَعْرُوْفِ وَانْهَ عَنِ الْـمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ ط إِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» (لقمان/17).

     واستخرج العلماءُ أنواعَ الصبر من هذه الآية كما يلي: أَقِمِ الصَّلَوٰةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ صبرٌ على طاعة الله، وَانْهَ عَنِ الْـمُنْكَرِ صبرٌ عن معصيته، وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ صبرٌ على أقدار الله.

     وبعضُ العلماء صَنَّفَ الصبرَ كما يلي: صبرٌ لله، أي لا يبتغي المرأ إلاّ وجهَ الله فيه؛ صبرٌ مع الله، أي مع أوامر الله، أي يَقْبَل كلَّ ما يُرْضِي اللهَ؛ وصبرٌ بالله، أي يؤمن أن الصبرَ من الله، وإن لم يُصَبِّرْه اللهُ فلن يستطيع الصبرَ.

     وقد يظنّ الناسُ أن الصبر لا يكون إلاّ على المصائب؛ ولكن الصحيح أن الصبر يكون على النعم كذلك، وهو بعدم الركون والإخلاد إليها، والاغترار بها والتمتع المبالغ فيه بها مع التفريط في أداء حقّ الله فيها.

     وللصبر مواقع كثيرة في حياة المسلم اليوميّة، فالعفة صبرٌ عن شهوة الفرج والعين المُحَرَّمَة؛ وشرف النفس صبرٌ عن شهوة البطن؛ وكتمان السرّ صبرٌ عن كشف ما لايحسن كشفه مما هو من خصوصيات الغير؛ والقناعة صبرٌ على القدر الكافي من الدنيا؛ والحلم صبرٌ عن إجابة داعي الغضب، والوقار صبرٌ عن داعي العجلة والطيش، والعفو صبرٌ عن إجابة الانتقام؛ والجود صبرٌ عن إجابة داعي البخل؛ وضبط النفس عند الغضب صبرٌ عن داعي النفس الأمّارة بالسوء؛ والصبر على المكاره في سبيل الله، عبارة عن الإيمان بأن وعد الله للمؤمنين بالجزاء الأوفى، حقٌ، ولن يخلف الله وعده؛ والصبر على أقدار الله يعني أن الصابر يتيقن أن الله حكيم فيما يفعل وعادل فيما يقضي له أو عليه.

     وما ذكرناه فيما سبق يُؤَكِّد أن مواقف المسلم في حياته الدينية كلها مرتبطة ارتباطاً وثيقًا بالصبر؛ ولكن اختلفت الأسماء مع الاتحاد المتشابك في المعنى والدلالة؛ ومن ثم يدرك العالم المتمكن: لما ذا علّق القرآن الكريم الفلاح الأخروي الذي هو الفلاح في الحقيقة على الصبر وحده:

     «وَجَزَـٰهم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَّحَرِيرًا» (الإنسان/12).

     «أُولَـٰئِكَ يُحْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا ويُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَّ سَلَـٰماً» (الفرقان/75).

     «سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ الدَّارِ» (الرعد/24).

     إنّ دراسة الكتاب والسنة تُؤَكِّد ما للصبر من قيمة وأهمية بالغتين في كلتا حياتي المسلم: الدنيا والآخرة؛ فلا انتصار ولا غلبة ولا نصر ولا تمكين في الدنيا إلاّ بالصبر، ولا نجاح ولا فلاح في الحياة الآخرة الأبدية الباقية الخالدة إلاّ بالصبر؛ ومن هنا قال ابن القيم رحمه الله سأل رجل الشافعيَّ رحمه الله (محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع الهاشمي القرشي المطلبي أبو عبد الله الإمام أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة 150-204هـ = 767-820م) فقال: يا أبا عبد الله أيّهما أفضل للرجل: أن يُمَكَّنَ (فيشكر الله عزّ وجلّ) أو يُبْتَلَىٰ (بالشرّ فيصبر)؟ فقال الشافعيّ: لايُمَكَّنُ حتى يُبْتَلَىٰ؛ فإن الله ابْتَلَىٰ نوحًا وإبراهيم ومحمدًا صلوات الله عليهم أجمعين فلمّا صبروا مَكَّنَهُمْ؛ فلا يَظُنَّ أحدٌ أن يخلص من الألم ألبتة(14).

     وقد يتساءل بعضُ الناس قائلين: لماذا يبتلي الله الإنسانَ الضعيف بالشرّ أو الخير؛ ولو شاء الله عزّ وجلّ لَطَوَىٰ بساط الابتلاء كلِّيًّا عن الإنسان ولما أوقعه في المحنة والبلية. وإجابة عن ذلك نقول: إنّ الابتلاء هو المظهر العملي لعلاقة العبوديّة بين الله والإنسان. ومعنى هذه العلاقة كمال الطاعة لكمال المحبة، والحياةُ الدنيا هي الزمن المُقَرَّر لهذا الابتلاء. قال تعالى:

     «الَّذِي خَلَقَ الْـمَوْتَ والْحَيَوٰةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» (الملك/2)(15).

     وينقسم الابتلاءُ إلى قسمين:

     الأوّل: الابتلاء بالشرِّ، وهو مناطُ الصبر.

     الثاني: الابتلاء بالخير، وهو مناط الشكر.

     والنوع الأوّل يشمل الابتلاء بالمحن والكوارث ونقص الأموال والأنفس والثمرات، كما قال عزّ وجلّ:

     «وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرٰتِ ط و بَشِّرِ الصَّـٰبِرِينَ» (البقرة/155).

     ومن ثم تُعْرَف قيمةُ الصبر، ويَتَبَلْوَرُ كونُه مقياسًا حقيقيًّا للإيمان الصادق الثابت الذي لا تزعزعه عواصف المحن والبلايا وإنما تزيد المؤمن رضاً بما قَدَّرَ الله له في هذه الحياة ليستحق بشارة الله الرحمن الرحيم العزيز الحكيم بالجنة والنعيم المقيم وبما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، مصداقًا لقوله تعالى: «وبَشِّرِ الصَّـٰبِرِينَ».

     إن المحن التي يُصَابَ بها المسلمون اليوم في مشارق الأرض ومغاربها لحكمة يعلمها الله، فيها البشرى الماثلة الحية الشاخصة الصارخة لمن فَوَّضَ فيها أمرَه إلى الله، وأَيقن أن الله أرحم به من أبويه وأقرب أقربائه وأحبّ أحبائه وأشد إخلاصًا من معارفه أجمعين، ولن يضيعه بعد ما خلقه.

 

(تحريرًا في الساعة 9 من الليلة المتخللة بين السبت والأحد: 18-19/ربيع الأول 1436هـ الموافق 10-11/يناير 2015م)

نور عالم خليل الأميني

nooralamamini@gmail.com

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، جمادى الأولى 1436 هـ = فبراير - مارس 2015م ، العدد : 5 ، السنة : 39

 



(1)      مسند أحمد (4/385) واللفظ له: 19435 ؛ وابن ماجه: 2794.

(2)      البخاري الفتح (11): 6470؛ ومسلم: 1053 واللفظ له.

(3)      بصائر ذوي التمييز، 3/376.

(4)      بصائر ذوي التمييز، 3/376.

(5)      الدر المنثور للسيوطي، 1/163.

(6)      عدة الصابرين لابن القيم، 17.

(7)      الزهد لوكيع بن الجراح، 2/456.

(8)      مدارج السالكين لابن القيم، 2/166.

(9)      مدارج السالكين، 2/167.

(10)     معجم مفردات ألفاظ القرآن، ص: 306-307.

(11)     التوقيف على مهمة التعاريف، ص: 212.

(12)     المصدر نفسه، والصفحةُ نفسها.

(13)     مدارج السالكين لابن القيم، 1/165.

(14)     الفوائد لابن القيم، ص:283.

(15)     ماجد الكيلاني فلسفة التربية الإسلامية، ص 163.